abdu saad
عدد المساهمات : 4 تاريخ التسجيل : 01/07/2012
| موضوع: ربيع العرب و القوة الرابعة الثلاثاء يناير 29, 2013 7:02 pm | |
| [size=12]
ربيع العرب و القوة الرابعة
الكاتب هافال أمين
يعتبر الشرق الأوسط أرض الرمال المتحركة بامتياز. ولهذا سببان أحدهما ثابت يعود إلى التعددية القومية والدينية والثاني ديناميكي يتعلق بالصراعات التي لا حصر لها في كل المجالات وبين كل شعوبها وأديانها والتي لم تنته بعد ليأخذ الشرق الأوسط شكلا ومضمونا واضحين.
هناك ثلاث قوى تسيطر على حركة الرمال وتحديد اتجاهاتها في الشرق الأوسط منذ سقوط العثمانيين وإلى الآن. إيران وتركيا منذ باكورة السقوط العثماني ولاحقا جاءت إسرائيل لتكون هي القوة الثالثة.
حاول جمال عبد الناصر أن يعطي هذا الدور لمصر (أن تكون قوة رابعة) على أساس أنها أكبر الدول العربية ولكن تبين بان محاولة ناصر كانت ضربا من بناء قصر في السحاب. إن الحرب الباردة بين القوتين العظميين (الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي) هي التي خلقت ناصر وحين وضعت الحرب الباردة أوزار الثلوج على أكتافها وانتهت ظهر لشعوب المنطقة بأن ناصر لم يكن في أفضل الأحوال سوى حالم رومانسي لا تقف قدماه على أرض جامدة من الواقع الذي يغطي سماء الشرق الأوسط. فالنزعة القومية التي دعا إليها والتي أراد على أساسها أن يخضع الدول العربية له أو حاول بناء الوحدة كما فعل مع سورية كانت مشروعا طوباويا ساحرا ولكن ساخرا من الوقائع الملموسة المختلفة في كل دولة عربية.
لم تكن ظروف سورية التاريخية والاجتماعية والاقتصادية كظروف مصر وهذه الظروف هي التي تتحكم في تقارب (ناهيك عن الوحدة) أو تباعد الشعوب. هذه الظروف نفسها هي التي تشكل عقلية على غرار ما ومن هنا فالعقلية السورية غير العقلية المصرية وبالتالي فالنظام الذي يسود في المجتمع السوري لا يمكن أن يكون نفسه في مصر. بل أن دعوات الناصر للتقارب أو الوحدة لم تكن سوى محاولة للهروب من المشاكل الداخلية في مصر والشعور العميق بثقل الإرث الذي آل إليه بعد سقوط النظام الملكي في مصر.
في الحقيقة لم يخلق ناصر دولة وإنما قوض أركان الدولة التي كانت موجودة شيئا فشيئا ونشر طاعون النظام العسكري المخول بالحكم المطلق وإلى الأبد في كل أرجاء العالم العربي. وتبين ذلك بجلاء بعد سقوط آخر خلفاء ناصر (حسني مبارك) حيث تم وضع الدولة المريضة على السرير وظهرت أعراضها المزمنة: هشاشة الدولة، ضخامة الفوارق الاجتماعية بين طبقاتها، الاختلاف الهائل بين المدن والاختلاف الأكثر بين المدينة والريف، الفساد المستشري في كل مؤسساتها، تعطيل كل مشاريع التنمية والبناء، بنية تحتية غير موجودة أو متهالكة، نظام تعليمي لا يرقى إلى مستوى العصر (ليست هناك جامعة عربية ترقى إلى مستوى الجامعات المعترف بها دوليا)، عطالة كبيرة وخط فقر طويل يمتد من قلب القاهرة إلى مقابر جبل المقطم، ناهيك عن المدن الأخرى.
يمكننا تسمية الفترة العربية التي عقبت السقوط العثماني بمدة وجيزة بالتاريخ الناصري وآثاره الممتدة إلى مرحلة ما يسمى بالربيع العربي وذلك لتأثير ناصر على تلك الفترة بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريق إتباع خطاه من قبل الحكام. وابرز مقومات ذلك التاريخ:
1- كل الأعراض التي سبق ذكرها أعلاه. فتلك ليست أعراض مصرية بل عربية نراها في كل دولة عربية.
2- في الوقت الذي يتم فيه الإدعاء ببناء الدولة يتم هدمها وتقويض أركانها.
3- في غياب العملية السياسية وعدم القدرة على التكيف مع التيارات الفكرية المختلفة والتي تتجسد في أحزاب تعددية أو حركات اجتماعية يتم بروز نظام عسكري قابل للوراثة وعلى الأكثر تحت سيطرة عائلة الحاكم.
4- وإذا كانت السياسة هي القواعد التي تنظم المجتمع في إطار الدولة والتي لم يستطع الحكام العرب أن يمارسوها بمختلف الأيديولوجيات من اشتراكية وقومية وليبرالية وغيرها، وهذا ما أدى إلى تراكم الحاجيات والمشاكل في المجتمع، صار هناك فراغ لا يمكن ملؤه إلا بالماضي الديني، وهذا ما يفسر ظهور الأحزاب الدينية بكثرة في العالم العربي أو تسلمها لمقاليد الحكم. إن ناصر الذي حارب الإخوان المسلمين وفي نفس الوقت لم يمارس العملية السياسية مهد الطريق للإخوان لاستلام السلطة.
5- نهب المال العام بحجة الصراع المستمر مع العدو الخارجي (الكيان الصهيوني). هذا ما أدى إلى عدم الإنفاق على مشاريع البناء والتنمية والارتقاء بالإنسان المواطن وفي نفس الوقت عدم إدارة الصراع سواء بالحرب أو بمشروع سلام. وبين عدم الإنفاق وعدم إدارة الصراع تم نهب المال العام بأرقام فلكية.
هذه أهم بنود الإرث من التاريخ الناصري والتي أتت بما يسمى بالربيع العربي. يبحث الربيع العربي في حقيقة الأمر عن تلك القوة الرابعة (ولكن ليس على غرار ناصر) في محاولة للتوازن وإيجاد مكان تحت الشمس بين القوى الثلاث المسيطرة في تحريك الشرق الأوسط.
هذه المحاولة تقف أمامها على المدى القريب عقبات منها:
1- حسم وحل الإرث القائم من التاريخ الناصري. وإذا أمعنا النظر في دولة كمصر والتي ينبغي أن يكون الربيع قد انتهى فيها وجاء دور البناء والمشاركة بين أبنائها، نرى فيها تغلب نزعة الإخوان بالسيطرة على مقدرات الشارع والمجتمع. وكذلك الحال في سورية التي ما زالت تهب فيها رياح ذلك الربيع المجهول، فالحركات الإسلامية (ومنها جبهة النصرة) تريد أن تكون لها الغلبة قبل الإعلان عن نهاية ذلك الربيع.
2- القوى الإسلامية التي تصل للحكم في كثير من الأحيان تفتقد الخبرة السياسية بسبب القمع التي مرت فيه، الأصل في نشأة الدول أن تكون الدولة في خدمة المجتمع ولكن في العالم العربي نلاحظ العكس، فالدولة تستغل المجتمع.
مولد القوة الرابعة يعاني مخاضا مؤلما وطويلا. مؤلم لأن الأطباء الذين يحاولون إخراج هذا الوليد لا يحسنون طب المجتمع ولا وظائف أعضاء الدولة. طويل لان القضاء على الدكتاتورية لا تعني حتما إقامة الديمقراطية ومشاركة الشعب. بين الدكتاتورية والديمقراطية فترة انتقالية طويلة من الفوضى وإراقة الدماء (كما الحال في سورية) أو توتر واحتقان شديدين وربما لا تغيب مشاهد سفك الدم في بعض حلقاته (كما في حالة العراق ومصر) ونهب المال العام من جديد.
القوة الرابعة في الشرق الأوسط الآن حلم يعجز أن يكون فعلا ووليد مشلول يبحث عن طبيب لدى القوى الثلاث الأخرى. [c [/size[color=blue]=Arial]]]enter] | |
|