والحمد لله والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ترجمة أبي هريرة
هو دوسي أزدي { يماني } مكثر حافظ ، وفي اسمه اختلاف شديد ، أفرده بعض الحفاظ بجزء وأشهره : عبد الرحمن بن صخر ، وقال الحاكم أبو أحمد : إنه أصح ، وقال ابن عبد البر في الاستعاب : عبد الله أو عبد الرحمن هو الذي يسكن القلب إلى اسمه في الإسلام ، وقال النووي : الأصح أنه عبد الرحمن من نحو ثلاثين قولاً ، وقال غيره أكثرمن ذلك .
اسمه وكنيته
وقال ابن حبان في ثقاته : الأشبه أن اسمه في الجاهلية عبدنهم فسماه رسول الله r عبد الله وهو أول من كني بأبي هريرة لهرة كانت له يعلب بها صغيراً { أول } من كناه بها فيه قولان : أحدهما: النبي r قال أبو عمر : وهو الأشبه .
والثاني : والده ، وكان يكره تصغير ه ويقول : كناني رسول الله r بأبي هر ، ذكره ابن عساكر ، وكان يكنى في الجاهلية بابي الأسود .
عام إسلامه
أسلم عام خبير سنة سبع من الهجرة .
صفته
ومن صفته أنه كان أدم ، بعيد مابين المنكبين ، صاحب ضفيرتين ، أفرق الثنيتين ، وكان يخضب بالحمرة، صحب النبي r على ملء بطنه ، وكان يدور معه حيث ما دار ، وكان غيره يشغله الصفق بالأسواق ، فقال عليه السلام مرة : (( من يبسط رداءه حتى أقضي مقالتي ثم يقبضه إليه فلن ينسى شيئاً سمعه مني )) قال : فبسطت بردة علي حتى قضى حديثه ثم قبضتها إليَّ ، فوالذي نفسي بيده ما نسيت بعد شيئاَ سمعته منه . ( رواه البخاري ومسلم ) وكان ذَكَر له قبل ذلك : إني أخشى أن أنسى ما أسمعه منك ففعل به { ذلك } ، وشهد له بالحرص على العلم .
وروى سليم بن حبان عن أبيه عن أبي هريرة قال : نشأت يتيماً وهاجرت مسكيناً وكنت أجيراًلابنة غزوان / بطعام بطني وعقبة رجلي ، أحدو بهم إذا ركبوا وأحتطب إذا نزلوا ، { فالحمد لله } الذي جعل الدين قواماً وأبا هريرة إماماً .
وروى أبو يزيد المديني عنه أنه قام على منبر رسول الله r مقاماً دون مقام رسول الله r بعينه ، ثم قال : الحمد لله الذي هدى أبا هريرة للإسلام ، الحمد لله الذي علم أبا هريرة القرآن ، الحمد لله الذي منَّ على أبي هريرة بمحمد r ، الحمد لله الذي أطعمني الخمير ، وألبسني الحبير ، الحمد لله الذي زوجني ابنة غزوان بعدما كنت أجيراً لها بطعام بطني وعقبة رجلي ، أرحلتنتي فأرحلتها كما أرحلتني .
عنه قال كنت أصرع بين القبر والمنبر من الجوع حتى يقولوا مجنون (البخاري في الفتح 9/128) و (أحمد في الزهد 31)
وفي (( طبقات ابن سعدي 4/328)) دعا له النبي r أن يحببه إلى كل مؤمن ومؤمنة ، وقال الإمام أحمد : رأيت النبي r في المنام فقلت : يا رسول الله ماروى أبو هريرة عنك حق ؟ قال : نعم .
عدد ما روى عن النبي
روى عن النبي r فأكثر ، وهو أكثر الصحابة حديثاً ، قال : حفظت { عن } رسول الله r ثلاث حُرُب أخرجت منها جرابين ، وفي رواية : حفظت عنه وعائين فأما أحدهما فبثثته للناس وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم.
( روي له عن النبي r خمسة آلاف حديث وثلاثمائة وأربعة وسبعون حديثاً ) .
وليس لأحد من الصحابة هذا القدر ولا مايقاربه ، أخرج له في ( الصحيحين ستمائة حديث وتسعة أحاديث ، اتفقا منهما على ثلاثمائة وستة وعشرين / حديثاً ، وانفرد البخاري بثلاثة وتسعين ومسلم بمائة وتسعين )
قال الشافعي : أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره . قال أبو هريرة فيما يثبت عنه : ليس أحد أكثر حديثاً مني إلا فلانا ، كان يكتب ولا أكتب . وأراد عبد الله بن عمرو بن العاص (ما) ، وقد عاش عبد الله أكثر منه إلاَّ أن أبا هريرة كان مقيما بالمدينة ولم يخرج منها وكان الناس يأتونها من كل ناحية بعد رسول الله r لكونها محط الركاب لأجل الخلافة ولزيارة قبر رسول الله r ، والصلاة في مسجده ، ولأجل العلم ، وكان أبو هريرة متصدياً للرواية ونشر العلم ، بخلاف عبد الله بن عمرو فإنه سافر إلى البلاد وغلب عليه العبادة فلهذا لم يشتهر حديثه ولم تكثر روايته ، واشتهر وكثر حديث أبي هريرة ، ما .
قال : إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة ، والله لولا اثنان في كتاب الله ما حدثت شيئاً وتلى ]إنَّ الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات [ البقرة (159) . إلى قوله :] الرحيم [ البقرة (160) . وكان يقول : إخوننا من المهاجرين شغلهم الصفق في الأسواق ، وإخواننا من الأنصار شغلهم العمل في أموالهم .
رآه أبو بكر بن داود في المنام ، وقال له : إني أحبك ، فقال : أنا أول صاحب حديث كان في الدنيا .
وكان من أصحاب الصفة ، قال أبو نعيم في الحلية : كان عريفهم وأشهر من سكنها ، قال البخاري : روى { عنه } أكثر من ثمانمائة رجل مابين صاحب وتابع .
وكان أحد من يفتي بالمدينة مع ابن عمر وابن العباس (ما)
وكان يسبح في اليوم اثنتي عشر ألف تسبيحة ، وكان يدمن من الصيام والقيام والضيافة .
ولي المدينة لمعاوية ثم عزل بمروان ، وكان يمر بالسوق يحمل الحزمة من الحطب . وهو يقول : أوسعوا الطريق للأمير – كان فيه دعابة t قال له عمر : كيف وجدت الإمارة ؟
قال : بعثتني وأنا كاره ، ونزعتني وقد أحببتها . وأتاه بأربعمائة ألف من البحرين وعزله ، ثم أراده على العمل فأبى .
ولم يزل يسكن المدينة ، وكان ينزل ذا الحليفة وله بها دار تصدق بها على مواليه فباعوها من عمرو بن بزيغ . وصلى على عائشة ا وأم سلمة { زَوْجَي } النبي r . وكان يقول لبنته : (( لاتلبسي الذهب فإني أخشى عليك اللهب )) .
وقال أبو عثمان { المهدي } : تضيفت أبا هريرة سبعاً فكان هو وامرأته وخادمه يتعقبون الليل أثلاثاً يصلى هذا ثم يوقظ الآخر فيصلي ثم يوقظ الثالث .
مكان موته :
ومات بها (أي المدينة المنورة) وقيل : بالعقيق ، ودفن بالبقيع ، وأما ماشتهر { بأن } قبره بقرية بسناجية بالقرب من عسقلان ، وعقد عليه الملك الأشرف ابن منصور قبة ، فليس بصحيح ، بل ذاك قبر جندرة بن حبيشة أبي قر صافة .
مولده ووفاته :
ولد في سنة إحدى وثلاثين من الفيل ، قاله {العتيقي والقعنبي} في (( تاريخه )) وفي وفاته أقوال : أحدها :{ سنة سبع وخمسين ، وفيها ماتت عائشة رضي الله عنها . ثانيها : سنة ثمان } ثالثها : سنة تسع قال النووي في (( شرح مسلم )) : وهو الصحيح .
وقال الواقدي : صلى على عائشة ا في رمضان سنة ثمان وعلى أم سلمة ا في شوال سنة تسع ، ثم توفي بعدها في هذه السنة وله ثمان وسبعون سنة ، وكان يقول (( اللهم لا تدركني سنة ستين )) فتوفي فيها أو قبلها بسنة .