ترجمة سماحة الشيخ ابن باز [1]
اسمه ونسبه :
هو سماحة والدنا وشيخنا المجدد لما اندرس من معالم السنة الإمام عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالرحمن بن محمد بن عبد الله ابن باز ـ رحمه الله وقدس روحه ونور ضريحه وكتبه من ورثة الفردوس الأعلى من جنة النعيم .. آمين ـ .
مولده : ولد في الثاني عشر من ذي الحجة سنة 1330هـ بمدينة الرياض، وكان بصيرا ثم أصابه مرض الجدري المنتشر في تلك الفترة عام 1346هـ وضعف بصره ثم فقده عام 1350هـ
قال الشيخ في أحد مجالسه ـ رحمه الله ـ : لما فقدت بصري سمعت خالتي تقول لأمي ـ وظنتني نائما ـ : مسكين عبدالعزيز كيف سيحصل على عمل يعيش منه ؟!!
فساد الدنيا بلا بصر
قال الشيخ محمد المجذوب : كان في أسرة الشيخ علماء ومنهم الشيخ عبدالمحسن بن أحمد آل باز تولى القضاء وكذا الشيخ المبارك بن عبدالمحسن تولى القضاء أيضا .
وصفه :
كان ـ رحمه الله ـ قصير القامة معتدل الجسم ـ إلا بعد مرضه فقد هزل جدا ـ ذو لحية قليلة أبيض البشرة ، ممتع بحواسه إلا البصر كما تقدم ، حليم صبور ، ذو هيبة ووقار مرآه أحد إلا أحبه وأجله ، من ألين الناس في غير ظلم ولا معصية .
طلبه للعلم:
حفظ القرآن الكريم قبل سن البلوغ ثم جد في طلب العلم على العلماء في الرياض
مشايخه:
تلقى العلم على أيدي كثير من العلماء ومن أبرزهم:
1. الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب قاضي الرياض.
2. الشيخ صالح بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
3. الشيخ سعد بن حمد بن عتيق قاضي الرياض.
4. الشيخ حمد بن فارس وكيل بيت المال في الرياض.
5. سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ مفتي المملكة العربية السعودية، وقد لازم حلقاته نحوا من عشر سنوات وتلقى عنه جميع العلوم الشرعية ابتداء من سنة 1347هـ إلى سنة 1357هـ ، وكان يجله غاية الإجلال ويكثر من ذكره والدعاء له والثناء عليه .
6. الشيخ سعد وقاص البخاري من علماء مكة المكرمة أخذ عنه علم التجويد في عام 1355هـ.
7. الإمام محمد الأمين الشنقيطي : درس عليه ، شرح سلم الأخضري في المنطق ، وكان يحضر حلقة الشيخ في الحرم النبوي .
8. الشيخ العلامة عبدالرزاق عفيفي [2]
أعماله :
عين في القضاء عام 1350هـ ولم ينقطع عن طلب العلم ، حيث لازم البحث والتدريس ليل نهار ولم تشغله المناصب عن ذلك مما جعله يزداد بصيرة ورسوخا في كثير من العلوم، وقد عني عناية خاصة بالحديث وعلومه حتى أصبح حكمه على الحديث من حيث الصحة والضعف محل اعتبار وهي درجة قل أن يبلغها أحد خاصة في هذا العصر وظهر أثر ذلك على كتاباته وفتواه حيث كان يتخير من الأقوال ما يسنده الدليل.
في عام 1372هـ انتقل إلى الرياض للتدريس في معهد الرياض العلمي, ثم في كلية الشريعة بعد إنشائها سنة 1373هـ في علوم الفقه والحديث والتوحيد، إلى أن نقل نائبا لرئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عام 1381هـ. وقد أسس حلقة للتدريس في الجامع الكبير بالرياض منذ انتقل إليها ، وإن كانت في السنوات الأخيرة اقتصرت على بعض أيام الأسبوع بسبب كثرة الأعمال ولازمها كثير من طلبة العلم، وأثناء وجوده بالمدينة المنورة من عام 1381هـ نائبا لرئيس الجامعة ورئيسا لها من عام 1390هـ إلى 1395هـ عقد حلقة للتدريس في المسجد النبوي ومن الملاحظ أنه إذا انتقل إلى غير مقر إقامته استمرت إقامة الحلقة في المكان الذي ينتقل إليه مثل الطائف أيام الصيف, وقد نفع الله بهذه الحلقات.
من طلابه :
1. الشيخ عبد الله الكنهل.
2. الشيخ راشد بن صالح الخنين.
3. الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك.
4. الشيخ عبد اللطيف بن شديد.
5. الشيخ عبد الله بن حسن بن قعود.
6. الشيخ عبد الرحمن بن جلال.
7. الشيخ صالح بن هليل .
8. معالي الشيخ صالح بن فوزان الفوزان
9. معالي الشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد
10. سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ
11. فضيلة الشيخ حمود ابن عقلا الشعيبي
12. فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين
13. فضيلة الشيخ محمد بن زيد آل سليمان .
14. فضيلة الشيخ عبدالله الغديان
وبلغ بهم عبدالرحمن الرحمة إلى 348 على النحو التالي :
1. الدلم : 79 .
2. الرياض ابان تدريس الشيخ في المعهد العلمي وبعده في كلية الشريعة : 82 .
3. المدينة ـ حرسها الله ـ : 22 .
4. الرياض من عام 1395هـ : 165 .
وغيرهم كثير
أخلاقه :
ساد الشيخ رحمه الله وذاع صيته بكمال خلقه الذي فاق فيه الناس كلهم ولا يدانية أحد فضلا أن يتقدم عليه
مؤلفاته:
1. مجموع فتاوى ومقالات متنوعة صدر منه الآن تسعة عشر مجلد وقت تحرير هذه الترجمة
2. الفوائد الجلية في المباحث الفرضية.
3. التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة (توضيح المناسك) وهو أحب كتب الشيخ إليه ويعلل الشيخ ذلك بعموم نفعه وشدة حاجة الناس إليه [3]
4. التحذير من البدع ويشتمل على أربع مقالات مفيدة (حكم الاحتفال بالمولد النبوي وليلة الإسراء والمعراج وليلة النصف من شعبان وتكذيب الرؤيا المزعومة من خادم الحجرة النبوية المسمى الشيخ أحمد)
5. رسالتان موجزتان في الزكاة والصيام.
6. العقيدة الصحيحة وما يضادها.
7. وجوب العمل بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وكفر من أنكرها.
8. الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة.
9. وجوب تحكيم شرع الله ونبذ ما خالفه.
10. حكم السفور والحجاب ونكاح الشغار.
11. نقد القومية العربية.
12. الجواب المفيد في حكم التصوير.
13. الشيخ محمد بن عبد الوهاب دعوته وسيرته.
14. ثلاث رسائل في الصلاة :
* كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم .
* وجوب أداء الصلاة في جماعة.
* أين يضع المصلي يديه حين الرفع من الركوع .
15. حكم الإسلام فيمن طعن في القرآن أو في رسول الله صلى الله عليه وسلم .
16. حاشية مفيدة على فتح الباري وصل فيها إلى كتاب الحج.
17. رسالة الأدلة النقلية والحسية على جريان الشمس وسكون الأرض وإمكان الصعود إلى الكواكب.
18. إقامة البراهين على حكم من استغاث بغير الله أو صدق الكهنة والعرافين.
19. الجهاد في سبيل الله.
20. الدروس المهمة لعامة الأمة.
21. فتاوى تتعلق بأحكام الحج والعمرة والزيارة.
22. وجوب لزوم السنة والحذر من البدعة.
هذا ما تم طبعه ويوجد له تعليقات على بعض الكتب مثل: بلوغ المرام، تقريب التهذيب للحافظ ابن حجر (لم تطبع)، تحفة الأخيار ببيان جملة نافعة مما ورد في الكتاب والسنة الصحيحة من الأدعية والأذكار (طبع)، التحفة الكريمة في بيان كثير من الأحاديث الموضوعة والسقيمة، تحفة أهل العلم والإيمان بمختارات من الأحاديث الصحيحة والحسان، إلى غير ذلك [4].
الأعمال التي زاولها غير ما ذكر:
1. صدر الأمر الملكي بتعيينه رئيسا لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد إلى جانب ذلك:
2. عضوا في هيئة كبار العلماء.
3. رئيسا للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
4. رئيسا وعضوا للمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي.
5. رئيسا للمجلس الأعلى العالمي للمساجد.
6. رئيسا للمجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة التابع لرابطة العالم الإسلامي.
7. عضوا للمجلس الأعلى للجامعة الإسلامية في المدينة المنورة.
8. عضوا في الهيئة العليا للدعوة الإسلامية.
ولم يقتصر نشاطه على ما ذكر فقد كان يلقي المحاضرات ويحضر الندوات العلمية ويعلق عليها ويعمر المجالس الخاصة والعامة التي يحضرها بالقراءة والتعليق بالإضافة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أصبح صفة ملازمة له .
من مواقف الشيخ :
* مواقف عامة
قال الشيخ محمد المجذوب ـ رحمه الله ـ : ( عندما أصدرت محكمة البغي قرارها بإعدام سيد قطب وإخوانه اعترى الشيخ ما يعتري كل مؤمن من الغم في مثل هذه النازلة التي لا تستهدف حياة البرآء المحكومين بقدر ما تستهدف الإضعاف من منزلة الإسلام نفسه . وكلفني الشيخ يومئذ صياغة البرقية المناسبة لهذا الموقف فكتبتها بقلم يقطر نارا وكراهية وغيره وجئته بها وملئي اليقين بأنه سيدخل على لهجتها من التعديل ما يجعلها أقرب إلى لغة المسؤولين منها إلى لغة المنذرين ولكنه حطم كل توقعاتي حين أقرها جميعا ولم يكتف حتى أضاف إليها قوله تعالى في سورة النساء : "وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا " وأرسلت البرقية التي كانت ـ فيما أظن ـ الوحيدة من أنحاء العالم الإسلامي بهذه المناسبة ، بما تحمله من عبارات أشد على الطغاة من لذع السياط . )
وكان جمال عبدالناصر وقتها حديث الناس ورأس العروبة
قال الشيخ عبدالقادر الأرنؤوط في شريط عن الشيخ ـ قدس الله روحه ـ : أرسلني سماحة الشيخ عبدالعزيز ابن باز للدعوة في البوسنة والهرسك عام 1405هـ يوم لمن يكن أحد سمع بتلك الدولة ، وكان يتابع أحوال المسلمين في كل مكان .
قال أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري : حمل إلى الشيخ ـ رحمه الله ـ عدد من مجلة الثقافة والفنون كتبت فيها خمسا وأربعين صفحة مما لا تسر الكتابة فيه عنها ولا تشرف فصار ينهرني وكان الشيخ يردد دائما : ما أعظم مصيبتك عند الله ثم صار يبرم أطراف غترته ويدعو لي وقد اغرورقت عيناه فزالت الموجدة من نفسي وتمزق قلبي حزناً لصدق هذا الإنسان ..، ولو جادلني لكابرت في المجادلة وقد فتح الله قلبي لحسن نيته .. وتقلص حب الغناء والطرب من وجداني وتولدت كراهية الغناء ..
قال الدكتور ناصر الزهراني : جاءه بعض طلبة العلم فشكوا إليه أحد الناس وبينوا أخطاءه وبعض المخالفات عنده فبدأ الشيخ يملي كتابا لتوبيخه ونصحه، وأثناء الكتابة قال أحدهم : وإنه يا شيخ يتكلم فيك وينال منك . فقال الشيخ للكاتب : قف واترك الكتابة .
خشي أن يقال إن الشيخ ينتقم لنفسه ، ولو كان غيره لتغيرت النية من غيرة لله لانتقام لنفسه .
ومن إنكاره على الحكام إنكاره على أحد الحكام لما أراد حذف كلمة قل من كتاب الله سبحانه وتعالى . ولما ُبني صنم لملك الأردن وهو خارج البلاد فما قدم ورآه قال: لقد جاء جدي لهدم الأصنام ـ يعني رسول الله ـ فما كان لي أن أبنيها ، فأرسل له الشيخ يشكره على هذا الموقف وقال له : ولعل هذا الموقف يكون بداية لتطبيق الشريعة في بلادكم ، وكان يراسل بعض الحكام يأمره بالرجوع إلى مذهب أهل السنة وترك مذهب الرفض ، وناصح غيره بتحكيم الشرع المطهر وفك الأسرى من المصلحين ، وغيرها كثير .
قالت وفاء الباز : سألت التي اتصلت للعزاء بالشيخ وهي من كوسوفو : كيف عرفت الشيخ ابن باز؟ قالت : كيف لا أعرفه ومصروفي من عنده ! [5]
قال الشيخ محمد التركي : كان هناك شخص بالدلم يعادي الشيخ ويسبه دائما والشيخ ساكت عنه وشاء الله أن يتوفى ذلك الشخص والشيخ بالحج فما أحضر للدفن رفض الإمام الصلاة عليه فلما حضر الشيخ من الحج وعلم بذلك غضب على إمام المسجد غضبا شديدا ولامه على ذلك ثم توجه إلى قبر المتوفى وصلة عليه ودعا له بخير [6].
قال الدكتور عبدالله الحكمي : جاء أفريقي رث الثياب يسأل عن الشيخ في موسم الحج الأخير فقيل له : لم يستطع الحج ، فماذا تريد ؟ فقال : لا أريد منكم شيئا ولكني مسكين والشيخ أبو المساكين [7]
* مواقف سمعتها بنفسي :
وحدثني أحد الإخوة من دولة بنين فقال : لما قدمت السعودية كانت أمنيتي بعد زيارة البيت الحرام وأداء العمرة زيارة سماحة الشيخ ـ رحمه الله ـ فلما زرته سألني من أين أنت ؟ فقلت له : من بنين . فسألني عن رجل من أهالي بنين فقلت : ذاك والدي !! ففرح الشيخ وسألني عن حاله وصحته وناشطه في الدعوة ، ثم بدأ يسألني عن بعض الدعاة في بنين ولم أكن أعرف بعضهم !! وكان الشيخ يذكرهم ويذكر القرى التي يدعون فيها وربما لم أعرف بعضها !!.
وحدثني الشيخ سلطان بن حمد العويد الداعية بمركز الدعوة بالدمام فقال : لقيت الشيخ في ثاني أيام التشريق وهو يرمي الجمرات فرغبت في سؤاله فحال دوني ودونه العسكر وكان الشيخ يدعو الله تعالى فلما انتهي من الدعاء التفت وقال : أين السائل ؟ أين السائل ؟ وكنت واثقا من أن الشيخ سيدعوني بعد فراغه من الدعاء .
وسمعت شابا يقول : بدأت طلب من العلم بسبب سماحة الشيخ وذلك أن أمي أرسلتني لسؤال الشيخ سؤالا بعد صلاة الظهر في الرياض وكان الوقت حارا جدا ذلك اليوم وبعد الصلاة بقيت خارج المسجد أنتظر الشيخ حتى خرج ومعه ناس وبجانبه العسكر فأقتربت من الشيخ فمنعي العسكري لأنني طفل ، فناديت الشيخ فالتفت إلي وقال : وين الولد ؟ فاقتربت منه وقلت له : أمي عندها سؤال واحد . فقال أولا : من ربك ؟ فقلت : ربي الله . فقال : أكمل الذي رباني بنعمه . ثم قال : ما دينك ؟ فقلت : الإسلام . فقال : ومن نبيك ؟ فقالت : محمد صلى الله عليه وسلم . فدعا لي بالخير ثم قال : الآن أسأل ولك مائة سؤال !! فتأثرت بذلك خاصة أن الوقت كان حارا وكان الناس حول الشيخ وهو من هو ووقف لطفل .
وحدثني الشيخ علي العمران ـ وفقه الله لكل خير ـ فقال : حدثني الشيخ سعيد بن عياش الغامدي رئيس محاكم خميس مشيط ـ متقاعد ـ قائلا : كنت كاتبا عند الشيخ عبدالعزيز في الدلم وكان الشيخ دائما لا يخرج حتى ينتهي آخر مراجع ويأخرنا كثيرا وفي ذات يوم أغلقنا السجلات وهممت بالخروج فدخل بدوي فقال الشيخ : نجلس نسمع ما يريد ، فقلت : يا شيخ الدوام انتهي ، قال: نسمع من الرجل ، فقلت : الساعة ثلاثة ، فقال : نسمع ما يريد لعله قدم من مكان بعيد ، فغضبت لذلك غضبا شديدا وضربت الشيخ على رأسه بدفتر السجلات ، ثم هربت ، وبعد عدة أيام رجعت للشيخ واعتذرت منه فقبل اعتذاري وكأن شيئا لم يكن ، وطلبت العلم ودرست حتى دخلت القضاء وصرت رئيس محكمة خميس مشيط وتعلمت من الشيخ أمورا منها الصبر على المراجعين وتحمل أذاهم وفي ذات يوم دخل مراجع بعد نهاية الدوام وقد أغلق الكاتب السجلات فطلبت منه فتح السجل وسماع ما عند الرجل فغضب الكاتب ، وقال :الدوام انتهى ، فقلت له : نسمع من الرجل لعله قدم من مكان بعيد ، فما شعرت وإلا والكاتب يضربني على رأسي بدفتر السجلات فتذكرت موقفي مع الشيخ ـ رحمه الله ـ وهرب الرجل من المحكمة وبعد أيام أرسلت في طلبه وأخبرت الرسول أنني قد عفوت عنه .
وحدثني الأخ المفضال إبراهيم الشهري فقال : كنت في مجلس سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله بعد صلاة جمعة وكان يقرأ على الشيخ من تفسير في ابن كثير وبعد الدرس فتح مجال الأسئلة والنقاشات وكان من بين الحضور رجل سوداني استأذن الشيخ بأن يقرأ عليه قصاصة من جريدة الحياة فسمح له الشيخ ـ رحمه الله ـ فقرأ ، أن الحكومة البنجلاديشية أمرت بترحيل المسلمين البورميين إلى بورما بناء على طلب من الحكومة البورمية وقد علق الكاتب أن المسلمين سوف يعذبون ويضطهدون من قبل الحكومة النصرانية إذا ذهبوا إلى هناك وبعد الانتهاء من قراءة الجريدة وكان الشيخ متأثرا من هذا القصة فطلب من أحد السكرتارية أن يتصل بقصر خادم الحرمين الشرفين الملك فهد ـ وفقه الله لكل خير وبر ـ وكان مساعد الشيخ يجري الاتصالات والشيخ في نفس الوقت يرد على الهاتف الثاني على أسئلة المستفتين وبعد أكثر من نصف الساعة أعطى السكرتير السماعة للشيخ وقال : الملك على الهاتف ، وبعدما أنهى الشيخ المكالمة التي كانت معه أخذ السماعة ليكلم الملك فهد ـ وكان كل من في المجلس مشدودا للمكالمة وهم يستمعون للشيخ رحمه الله يكلم الملك مباشرة ـ أخذ الشيخ السماعة فسلم على الملك ثم سأله عن صحته وصحة إخوانه ثم ذكر أن هناك قصاصة جريدة ـ وذكر القصة ـ ثم قال له : نريد منكم أن تشفعوا لهؤلاء المسلمين المستضعفين لدى الحكومة البنجلاديشية بأن لا ترحلهم وأن يتركوهم يعيشون في بنجلاديش ، ثم دعا للملك بالتوفيق وأن ينفع الله به الإسلام والمسلمين .
حدثني أحد الإخوة ممن خدم الشيخ إبان رئاسة للجامعة الإسلامية في مدينة رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فقال : كان راتب الشيخ ـ رحمه الله ـ خمسة آلاف ريال وكان جل راتبه يصرفه على الفقراء وذوي الحاجات حتى يذهب كل راتبه قبل نهاية الشهر ، بل قد يبدأ الشهر وراتب الشيخ قد صرف ، بل مرت علينا أيام كان راتب الشيخ قد صرف لعدة أشهر [8]، وذات مرة جاءنا ضيوف وكانت زوج الشيخ على سفر فطلب مني أن أشترى طعاما للضيوف فأخبرته أننا لا نملك مالا ، فقال : اقترض من أحد المطاعم القريبة ثم نسدد له ، فقلت له : كل المطاعم القريبة اقترضنا منها ! ، فقال : اذهب والله بيسر لك ، فذهبت ويسر الله لنا طعاما تلك الليلة .
وحدثني أيضا فقال : علم جلالة الملك فيصل ـ رحمه الله ـ بديون الشيخ ـ رحمه الله ـ وأنها من جراء صدقاته ومساعدة الآخرين فأرسل له وزير المالية آنذاك بملغ وقدره مائة ألف ريال ، فلما وصل الوزير للشيخ وأخبره الخبر ، رفض الشيخ بشدة قبول المبلغ ، فحاول معه الوزير وغيره مرارا بالشيخ ليقبل المبلغ حتى قبل ـ رحمه الله ـ على شرط أن يكون دينا عليه يخصم من راتبه بمعدل ألفي ريال شهريا ، فأرسل الوزير للملك فقبل بذلك فأخذ الشيخ ـ رحمه الله ـ المبلغ .
* مواقف خاصة :
كنت في بيت الشيخ فأقبل عليه شيخ كبير السن وقد لبس البشت واقترب من الشيخ وكلمه في أمر فتغير الشيخ وتغيظ ولم أره بهذا الشكل من قبل فقد رفع صوته وقال : أتشفع في حد من حدود الله ؟؟ .. أتشفع في حد من حدود الله ؟؟ لا تعودها ثانية . فخرج الرجل .
موقف خاص مع سماحة الشيخ : زرت سماحة الشيخ مع بعض الدعاة من مركز الدعوة والإرشاد بالدمام إبان مرضه ـ رحمه الله ، وقد اشتد نحله وظهرت عليه أمارات المرض ــ فأصر الشيخ على أن نتناول الغداء في بيته كعادته مع القادمين من خارج الرياض . فلما وضع الطعام استأذن الشيخ قائلا : لا أستطع أن آكل ، وخرج فقابلته من تلقاء وجهه لأقبل رأسه ومن سرعة الشيخ رحمه الله ـ ضربت أضراسي في جبهته ؛ فوالله ما نهرني ولاضربني ولا آذني بكلمة وله الحق في ذلك كله ، فرحمه الله وغفر له .
أما الموقف الآخر فهو هذا الكتاب : فإني بدأت في كتابته أوائل عام 1417هـ ثم إني أرسلت نسخة للشيخ ـ رحمه الله ـ وتكاسلت عن إتمام الكتابة وربما غلبني الوهن ، فلما وصلتي رسالة الشيخ فرحت بها أيما فرح حيث أنني ما كنت أظن أن الشيخ سينظر فيها فضلا عن أن يحررها ويأذن بنشرها ، فلما وصل كتاب الشيخ استعنت بالله وأكملت البحث فالفضل كل الفضل في نشر هذا البحث بعد الله تعالى لسماحة الشيخ رحمه الله وغفر له .
وساد الشيخ الناس بجميل خلقه ونبل طبعه وكرم سجاياه ـ رحمه الله ـ .
وفاته ـ رحمه الله ـ : لم أتأثر لوفاة أحد من الناس كما تأثرت لوفاة هذا الإمام وكانت وفاته ـ رحمه الله ـ قبيل فجر يوم الخميس الموافق 27/1/1420هـ
ولم تشهد جنازة لعالم في بلادنا كجنازة الشيخ ـ رحمه الله ـ وما بكي أحد مثلما بكي الشيخ الإمام فرحمه الله من سيد ساد الناس بخلقه وعلمه وحلمه ، ولو تركت العنان لقلمي لسطرت كراسات إثر كرسات في فضله ومناقبه ـ رحمه الله ـ ولكن في الإشارة غنية ومن أراد المزيد رجع لما أحلت إليه من المراجع .
وقد رثى الشيخ الكثيرون ومنها ما قاله الدكتور أحمد بن عثمان التويجري في رثاء الشيخ :
رسالة شوق إلى سماحة الشيخ ابن باز
لفقدك يلهى عن بديهته الفكر *** وتسكب من أعماقنا الدمعة البكر
ولو أن ميتا يفتدى من مماته *** فدتك الدنا يا بهجة العمر والعمر
ولكن أمر الله في الناس بالغ *** فلله منا الحمد والصبر والشكر
ترجلت يا شيخ الفوارس بعدما *** تسامت بك الأمجاد واستشرف الفخر
وكنت أبا للمكرمات فمن لها *** وقد بت عنا اليوم يحجبك الستر
سيذكرك العلم الذي كنت نوره *** ويذكرك القول المسدد والفكر
سيذكرك الخير العميم نشرته *** ويذكرك الدرس المبارك والذكر
سيذكرك العباد في صلواتهم *** ويذكرك النساك والزهد والطهر
سيذكرك المستعصمون بدينهم *** وكل إمام ملء راحته جمر
سيذكرك الأيتام كفكفت دمعهم *** وواسيتهم برا فطاب بك البر
سيذكرك المستضعفون جميعهم *** ويذكرك المضطر ما مسه ضر
سيذكرك الإحسان والعدل والهدى *** وتذكرك الجلى إذا حزب الأمر
رحلت وفي أعماقنا ألف لوعة *** وألف حنين لا يكفكفه صبر
رحلت وفي ساحاتنا ألف نكبة *** وألف مصاب إذ مصائبنا كثر
على قمم الأفغان يخزى جهادنا *** ويسود طهر عاث في ساحه غدر
وتجري دمانا في الجزائر أنهرا *** ومنا وفينا ويحنا القتل والنحر
وفي كوسوفا نُمحى وتُسبى نساؤنا *** ويرهبنا صرب هم الغل والكفر
وفي القدس ويح القدس أين صلاحها *** أما آن أن يجلو دياجيرها البدر
أضعنا الهدى يا سيدي فتقطعت *** عُرانا وأردانا بأرزائه الدهر
وسلط فينا الظالمون فعيشنا *** وإن غردت أطيارنا الخوف والقهر
نعيش بسفح للوجود ودارنا *** ذراه ففيها كل راياتنا الخضر
ونمشي وراء العالمين أذلة *** ونحن الأولى فينا انتشى العز والفخر
فيا سيدي عذرا إذا فاض بالجوى *** فؤاد شجي فالهوى كله عُذر
ويا سيدي يا دوحة العلم والهدى *** لمن سيندى بعدك الروض والزهر
لمن سيبوح الأقحوان بعطره *** لمن سيرق الغيم والطل والقطر
لمن سيهب النسم عذبا متيما *** لمن سيضوع الطيب والند والعطر
لمن سيغني الطير في غدواته *** ويشرق في أحلى منازله الفجر
عليك سلام الله ما التاع خافق *** وما ضاق بالأشجان من وله صدر
وما سكبت من أعين الناس أدمع *** عليك وما دوّى بتأبينك الشعر
وقد رثيته ـ رحمه الله ـ بهاتين المقالتين :
بالله عليك [9]
بالله عليك يا مهاتفي هل مات الشيخ ؟ قال : ( نعم ) . قلت راجيا أن يكون مخطئا : ( الشيخ عبدالعزيز ) ؟ قال : ( نعم ) فسكتُ ، وسالت العبرات تلو العبرات ، وبقيت بين أن أصدق الخبر أو أكذبه ولكنه قال : إنه متأكد من صحة الخبر ، إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، كنت على يقين أن كل حي يموت ، وأن البقاء لله ، ولكني كنت أخشى من هذا اليوم منذ عدة سنوات ، واُدْعُوَ الله جل وعلا في كل صلاة منذ سنين أن يمتعنا بحياة الشيخ ، وأن ينسأ في أجله ، للآتـي أعلم كما يعلم غيري من هو الشيخ إنه إمام في العلم ، وهناك علماء ، وإمام في الخلق ، وهناك أناس ذو خلق ، وإمام في الكرم ، وهناك أهل كرم ، وإمام في الإحسان ، وهناك محسنون ، وإمام في الزهد ، وهناك زهاد ، وإمام في العبادة ، وهناك عبّاد ، وإمام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهناك آمرون بالمعروف ، وإمام… ، وإمام … ، ولكن عقمن النساء أن يلدن من يجمع كل هذه الصفات ، كنت أعلم أنه سيموت ، ولكن من للعلم والدعوة والأمر بالمعروف ومن للمساكين وذوي الحاجات ، من للأجيال يربها بحسن الخلق وكمال العلم والإيمان .
قال لي صاحبي :
أنسيت أن الموت حق واقع ونهاية كتبت على الإنسان ؟
أنسيت أن الله يبقى وحده وجميع من خلق الميهمن فان ؟
أنسيت ؟ لا والله لكني إلى باب الرجاء هربت من أحزاني
يا صاحبي :
إن موت الشيخ ـ رحمه الله ـ ليس كموت رجل من الناس بل إنه موت لكثير من العلم وموت لكثير من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن الله تعالى يحفظ البلاد بالعلماء العاملين والشيخ رأس في هذا فإن الأمة لا تهلك ما وجد المصلحون .
وإنّا نعلم أن الشيخ قدم على ربٍ رحيمٍ غفورٍ يرحم المسلم المقصر العاصي فكيف برجل عاش كل حياته للإسلام والمسلمين ، ولكن حالنا نحن كحال أم أيمن ـ رضي الله عنها ـ فقد جاءها أبو بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ يَزُورُهَا فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَيْهَا بَكَتْ فَقَالا لَهَا مَا يُبْكِيكِ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَتْ :مَا أَبْكِي أَنْ لا أَكُونَ أَعْلَمُ أَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَلَكِنْ أَبْكِي أَنَّ الْوَحْيَ قَدْ انْقَطَعَ مِنْ السَّمَاءِ فَهَيَّجَتْهُمَا عَلَى الْبُكَاءِ فَجَعَلا يَبْكِيَانِ مَعَهَا ) ونحن والله لا نبكي على الشيخ فما عند الله خير له وأبقى ولكن نبكي على أنفسِنا ؟
بقينا نتذاكر أنا وصاحبي شيئا من مآثر الشيخ وخلقه فتذكرتُ معاملته مع الناس فقد كان يفتح مكتبه من أول وقت الدوام إلى آخره وكذلك في منـزله فهو يرد على الهاتف ، ثم يرد على الفتاوى المكتوبة ، ويسمع حاجات الناس ويسعى على قدر استطاعته لحلها ، ومن ذلك أنه جاءه رجل وأنا في منـزله فقال : ( يا شيخ أنا عامل والنظام لا يسمح بِاسْتِقْدَام زوجتي فهلا كتبت للجهات المسؤلة لعلهم يوافقون ) فقال الشيخ : ( إن شاء الله اكتب لي ويكون خير ) .وهذا عليه دين وهذا يريد الزواج وهذه لديها أيتام ولا عائل لهم وغيرهم كثير. وقد سأله رجل ـ بعدما رأى من حاله العجب ـ كيف لا تتعب من كثرة أعمالك ودخول الناس عليك وعرضهم لحاجاتهم فقال للسائل بعد إلحاح : ( يا بني إن الروح إن كانت تعمل لم تتعب الجوارح ) أي إن كانت الروح حاضرة فإن الجوارح تبع لا تتعب .
وإذا كانت النفوس كِبَارًا *** تعبت في مرادها الأجسام
وكان يفتح بيته لطعام الغداء والعشاء فيأتيه كلٌ بحاجته . ولم يأكل الشيخ طعاماً لوحده منذ خمسين سنة ، وما كان الشيخ يضيق صدره بسائل ولا مستفتٍ ، ويتحمل من الناس ما لا يستطيع أكثر الناس تحمله ، بل حتى أولئك النفر الذين كان الشيخ يخالفهم ما كان يسبهم ولا يهينهم بل يترفق بهم حتى قال أحد مخالفي الشيخ : ( ابن باز صحابي لم ير النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ ) فالقائل أراد أن خلقه كخلق الرعيل ا لأول الذي رباه محمد ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ .
ولا يعرف أن الشيخ انتصر لنفسه أَبَدًا ، بل لقد سمعت رجلاً يقول له : ( يا شيخ لقد اغتبتك فحللني ) فقال الشيخ ـ رحمه الله ـ : ( ظهري حلال لكل مسلم ) !!! .
بل لقد قيل له في محاضرة عامة : ( أن الشيخ فلان يقول إنك مبتدع فما رأيك ) ؟؟ فقال ـ رحمه الله ـ : ( هو عالم مجتهد ) !!! .
أما أمره بالمعروف فقد كان الشيخ ـ رحمه الله ـ مثالا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فما يكاد يسمع بمكان يحصل فيه منكر إلا طلب من أهل العلم في ذلك المكان التحقق والكتابة له ؛ فإن أكدوا له ذلك كتب للمسئول عنه وخوّفه بالله وأكد عليه ضرورة إزالته ، وكان يتابع خطاباته ليتأكد من إزالة هذا المنكر ، وكم جاءنا في مكتب الدعوة من خطاب يطلب التأكد من وقوع بعض المنكرات .
ولم يكتف بالأمر بالمعروف داخل المملكة بل أرسل برقيات لعدد من الحكام يأمرهم فيها بالمعروف وينههام عن المنكر .
ولما سمع الشيخ ـ رحمه الله ـ بأحد حكام الدول العربية وهو يسجن المؤمنين ويعذبهم ويقهرهم كتب له يخوفه من عذاب الله ويذكره بالله لعله أن يرتدع أو يتوب .
وكم كتب الشيخ ـ رحمه الله ـ لكثير من الصحف يرد على أولئك الكتّاب الجهلة الذين يجاهرون بالفسق والدعوة إليه ، وهم يلبسون لباس التقوى ، أو أولئك الجهلة الذين يفتون من غير علم بالكتاب والسنة . وكان ـ رحمه الله ـ يفرق بين من شهد له بالأعمال الحسنة وبين أهل السوء .
أما عبادة الشيخ ـ رحمه الله ـ فإنه كان يحج في كل سنة ولم يترك الحج منذ أن استطاع إليه سبيلاً إلا في هذا العام ؛ فقد منعه الأطباء من الحج ، وما ترك ـ رحمه الله ـ الصلاة في الجماعة أبداً حتى في مرض موته ، وكان ـ رحمه الله ـ إذا خرج الناس من عنده يقوم الليل ويدعوا ربه بما لا يستطع الشباب فعله .
وإن من أعظم آثار الشيخ ـ رحمه الله ـ أن كثيرا من العلماء كانوا لا يخرجون على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ فكان الشيخ يعارض ذلك ويفتي حسب ما يقتضي الدليل رجحانه فخالفوه وتكلموا عليه فأظهره الله لصدق نيته وتجرده للحق .
ومنها ما اشتهر من أن شيخه مفتي الديار الشيخ محمد بن إبراهيم منعه من الفتوى بعدم وقوع الطلاق البدعي فأصر الشيخ ـ رحمه الله ـ عل الفتوى بها ، وأخبرني شيخنا الشيخ عبدالله بن عقيل ـ وفقه الله لكل خير ـ أنه حضر مجلس الملك عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ وقبل دخول الشيخ عبدالعزيز ابن باز طلب الشيخ محمد بن إبراهيم ـ رحمه الله ـ من الملك أن يمنع الشيخ ابن باز من الفتوى بالطلاق فلما دخل الشيخ أمره الملك أن يمتنع عن الفتوى فقال الشيخ : سأفتي بها وأصر على الفتوى بها ـ رحم الله الجميع ـ .
يا صاحبي :
إنه لا يعرف قدر هذه المصيبة إلا من عرف أثر الشيخ ـ رحمه الله ـ فإن كثيرا من العلماء كانوا يحجمون عن الفتوى في بعض المسائل ويرجعونها لسماحته ، وكثير من المنافقين ينتظرون وفاة الشيخ ليظهروا ما عندهم من الشر والكفر والإلحاد ، ومَنْ يَعِشْ مِنا فَسَيَرَى اخْتِلافًا كَثِيرًا وسَتَذْكُرُ مَا أَقُولُ لَك وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ .
يا صاحبي :
نحن شهداء الله في خلقه فلعلك سمعت أنه مُرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا فَقَالَ " وَجَبَتْ " ثُمَّ مُرَّ بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا … فَقَالَ : " وَجَبَتْ " فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْتَ لِهَذَا وَجَبَتْ وَلِهَذَا وَجَبَتْ قَالَ : " هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ" وها أنا أشهد ولعلك تشهد معي أن الشيخ أدي ما عليه وأنه خيرة العلماء في هذا الزمان ولا نزكي على الله أحداً .
يا صاحبي اسمع قول من قال :
واستمر الشيخ ـ رحمه الله ـ معلماً للعلم طوال فترة حياته حريصا على تعليم الناس حتى في الفترة التي مرض فيها مرض وفاته ، عاش الشيخ تقيا نقيا ، وعاش صابرا محتسباً ، وعاش طودا شامخا ، وعلما متواضعا ومات مسبحا مستغفرا .
فقل لي يا صاحبي بالله عليك هل يأتي غيره ويكون مثله ؟ أونصفه ؟ .
سكت صاحبي ولم يحر جَوَابًا .
وهذه هي المقالة الثانية :
هون عليك [10]
هون عليك … هون عليك … الشيخ بحاجة للدعاء !!!.
كلمات قالها صاحبي وهو يسمع نشيجي على وفاة الشيخ الإمام عبدالعزيز ابن باز ـ رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة ـ .
كلمات لم أجد لها معنى في ذلك الوقت أما الآن فقد وضعتها في خانة العبارات المضحكة والكلمات المتقاطعة .
لا أنكر أن الشيخ كغيره من المسلمين تحت مشيئة الله تبارك وتعالى ، ولكن الله عدل لا يظلم مثقال ذرة ومثله قدم في دنياه ما يشفع له عند ربه .
تذكرت الشيخ وقد مضى عام على وفاته ، عام الحزن ، عام وفاة العلماء ورفع العلم .
لا يدري صاحبي لم كنت أبكي .
كنت أبكي لحبي للشيخ الإمام نعم ؛ ولكن كنت ابكي بحق على أمتي المسكينة ، فكم من فتنة كان الشيخ باباً موصدا دونها .
وقد مات الشيخ الإمام .
كنت أبكي على كثير من الشباب الحائر المحتاج لمن يقوده وليس ثمة قائد مثل الشيخ .
وقد مات الشيخ الإمام .
كنت أبكي الشباب المتحمس الذي انطلق يمنة ويسره ولا عالم يرجع له ليفصل بين الناس .
وقد مات الشيخ الإمام .
هذا عام مر فمن من الناس استطاع أن يملأ مكان الشيخ ؟؟ .
أضحى الناس كلهم يتامى ولا أب لهم .
فهلا عالم يقوم بأمر الله تعالى ـ كقيام الشيخ الإمام ـ ويكون أبا لهؤلاء الزرافات من الأمة ؟؟.
هون عليك الشيخ بحاجة للدعاء !! .
كل الخلق كذلك
ولكن نحن بحاجة لمن يبكي علينا .
-------------------------
[1] كتب عن الشيخ الكثير من الكتب والمؤلفات منها المفردة ومنها المشتركة مع غيره من العلماء ومن المفردة : الإنجاز في سيرة الإمام عبدالعزيز ابن باز عبدالرحمن الرحمة ، ابن باز الداعية الإنسان لفهد البكران، إمام العصر للدكتور. ناصر الزهراني ، مؤلفات ابن باز لمحمد خير يوسف ، الممتاز في مناقب الشيخ ابن باز للدكتور.عايض القرني ، الشيخ ابن باز للدكتور.مانع الجهني ، مواقف مضيئة في حياة الإمام ابن باز لحمود المطر ، التبريزية في التسعين البازية للدكتور. حمد الشتوي ، جوانب من سيرة الإمام عبدالعزيز ابن باز للدكتور.محمد الحمد ، ترجمة موجزة للعلامة عبدالرزاق عفيفي ، وترجمة موجزة للعلامة عطية سالم ، الدررالذهبية لعبدالرحمن الرحمة ، أما الكتب التي ترجمت لسماحته مع غيره فمنها : علماء الحنابلة العلامة بكر أبو زيد برقم : 4235 ، علماء ومفكرون عرفتهم لمحمد المجذوب 1/77 ، علماؤنا 28 .
[2] قال الدكتورحمد الشتوي في الإبريزية : ( إن سماحة الشيخ العلامة عبدالرزاق عفيفي ـ رحمه الله ـ يعتبر من طبقة أساتذة الإمام ابن باز ـ رحمه الله ـ فقد كان يجلس إلى بعض دروسه واستمع إلى بعض شروحه فترة كان يتناوب فيها مع العلامة محمد الأمين في جامع المفتي العام الإمام محمد بن إبراهيم ـ