والحمد لله والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ترجمة الإمام ابن القيم رحمه الله من كتاب شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد الحنبلي
ترجمة الإمام ابن القيم رحمه الله
سنة إحدى وخمسين وسبعمائة فيها توفي العلّامة شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد ابن حريز الزّرعي ثم الدمشقي الفقيه الحنبلي، بل المجتهد المطلق، المفسّر النّحويّ الأصولي، المتكلم، الشهير بابن قيم الجوزية .
قال ابن رجب: شيخنا. ولد سنة إحدى وتسعين وستمائة، وسمع من الشّهاب النّابلسي وغيره، وتفقه في المذهب، وبرع، وأفتى، ولازم الشيخ تقي الدّين وأخذ عنه، وتفنّن في علوم الإسلام. وكان عارفا بالتفسير، لا يجارى فيه، وبأصول الدّين. وإليه فيه المنتهى، وبالحديث ومعانيه وفقهه ودقائق الاستنباط منه، لا يلحق في ذلك. وبالفقه وأصوله، والعربية، وله فيها اليد الطّولى، وبعلم الكلام، وغير ذلك. وعالما بعلم السّلوك وكلام أهل التّصوف وإشاراتهم [ودقائقهم له في كل فن من هذه الفنون اليد الطولي.
قال الذهبي: في «المختص» : عني بالحديث ومتونه وبعض رجاله.
وقد حبس مدة لإنكار شدّ الرّحال إلى قبر الخليل.
وتصدّر للإشغال ونشر العلم.
وقال ابن رجب: وكان- رحمه الله- ذا عبادة وتهجّد وطول صلاة إلى الغاية القصوى، وتألّه، ولهج بالذّكر، وشغف بالمحبّة والإنابة والافتقار إلى الله تعالى والانكسار له، والإطراح بين يديه على عتبة عبوديته. لم أشاهد مثله في ذلك، ولا رأيت أوسع منه علما، ولا أعرف بمعاني القرآن والحديث والسّنّة وحقائق الإيمان منه، وليس هو بالمعصوم، ولكن لم أر في معناه مثله.
وقد امتحن وأوذي مرّات، وحبس مع الشيخ تقي الدّين في المرّة الأخيرة بالقلعة منفردا عنه، ولم يفرج عنه إلّا بعد موت الشيخ.
وكان في مدة حبسه مشتغلا بتلاوة القرآن وبالتدبّر والتفكّر، ففتح عليه من ذلك خير كثير، وحصل له جانب عظيم من الأذواق والمواجيد الصحيحة، وتسلّط بسبب ذلك على الكلام في علوم أهل المعارف والخوض في غوامضهم، وتصانيفه ممتلئة بذلك.
وحجّ مرّات كثيرة، وجاور بمكّة، وكان أهل مكّة يذكرون عنه من شدّة العبادة، وكثرة الطّواف أمرا يتعجّب منه، ولازمت مجالسه قبل موته أزيد من سنة، وسمعت عليه «قصيدته النّونية» الطويلة في السّنّة ، وأشياء من تصانيفه، وغيرها.
وأخذ عنه العلم خلق كثير، من حياة شيخه وإلى أن مات، وانتفعوا به. وكان الفضلاء يعظّمونه ويسلّمون له، كابن عبد الهادي وغيره.
وقال القاضي برهان الدّين الزّرعي عنه: ما تحت أديم السّماء أوسع علما منه.
ودرّس بالصّدرية، وأمّ بالجوزية مدّة طويلة.
وكتب بخطّه ما لا يوصف كثرة.
وصنّف تصانيف كثيرة جدا في أنواع العلوم.
وكان شديد المحبّة للعلم، وكتابته، ومطالعته، وتصنيفه، واقتناء كتبه.
واقتنى من الكتب ما لم يحصل لغيره.
فمن تصانيفه كتاب «تهذيب سنن أبي داود، وإيضاح مشكلاته، والكلام على ما فيه من الأحاديث المعلولة» مجلد، كتاب «سفر الهجرتين وباب السعادتين» مجلد ضخم، كتاب «مراحل السائرين بين منازل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين» مجلدان، وهو شرح «منازل السائرين» لشيخ الإسلام الأنصاري، كتاب جليل القدر، كتاب «عقد محكم الاحقاء بين الكلم الطيّب والعمل الصّالح المرفوع إلى ربّ السماء» مجلد ضخم. كتاب «شرح أسماء الكتاب العزيز» مجلد، كتاب «زاد المسافرين إلى منازل السعداء في هدي خاتم الأنبياء» مجلد، كتاب «زاد المعاد في هدي خير العباد» أربع مجلدات وهو كتاب عظيم جدا ، كتاب «جلاء الأفهام في ذكر الصّلاة والسلام على خير الأنام وبيان أحاديثها وعللها» مجلد ، كتاب «بيان الدّليل على استغناء المسابقة عن التحليل» مجلد، كتاب «نقد المنقول والمحك المميز بين المردود والمقبول» مجلد، كتاب «أعلام الموقعين عن ربّ العالمين» ثلاث مجلدات، كتاب «بدائع الفوائد» مجلدان،«الشافية الكافية في الانتصار للفرقة النّاجية» ، وهي القصيدة النّونية في السّنّة مجلد ، كتاب «الصّواعق المرسلة على الجهمية والمعطّلة» مجلدان، كتاب «حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح» وهو كتاب صفة الجنّة مجلد ، وكتاب «نزهة المشتاقين وروضة المحبين» مجلد ، كتاب «الدّاء والدّواء» مجلد ، كتاب «تحفة المودود في أحكام المولود» مجلد لطيف ، كتاب «مفتاح دار السعادة» مجلد ضخم، كتاب «اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو الفرقة الجهمية» مجلد، كتاب «مصايد الشيطان» مجلد، كتاب «الطّرق الحكمية» مجلد، «رفع اليدين في الصلاة» مجلد، «نكاح المحرم» مجلد، «تفضيل مكّة على المدينة» مجلد، «فضل العلم» مجلد، كتاب «عدة الصّابرين» مجلد، كتاب «الكبائر» مجلد، حكم تارك الصّلاة مجلد، «نور المؤمن وحياته» مجلد، «حكم إغمام هلال رمضان» مجلد، «التحرير فيما يحلّ ويحرم من لباس الحرير» مجلد، «إغاثة اللهفان من مكايد الشيطان» مجلد، «إغاثة اللهفان في طلاق الغضبان» مجلد، «جوابات عابدي الصّلبان وأن ما هم عليه دين الشيطان» مجلد، «بطلان الكيمياء من أربعين وجها» مجلد، «الرّوح» مجلد، «الفرق بين الخلة والمحبة ومناظرة الخليل لقومه» مجلد، «الكلم الطيب والعمل الصالح» مجلد لطيف، «الفتح القدسي والتحفة المكية» ، كتاب «أمثال القرآن» ، «شرح الأسماء الحسنى» ، «أيمان القرآن» ، «المسائل الطرابلسية» مجلدان، «الصراط المستقيم في أحكام أهل الجحيم» مجلدان، كتاب «الطاعون» مجلد لطيف. وغير ذلك.
توفي- رحمه الله- وقت العشاء الآخرة ثالث عشر رجب، وصلّي عليه من الغد بالجامع الأموي عقيب الظهر، ثم بجامع جرّاح، ودفن بمقبرة الباب الصّغير.
وكان قد رأى قبل موته بمدة الشيخ تقي الدّين- رحمه الله- في النوم وسأله عن منزلته، فأشار إلى علوها فوق بعض الأكابر، ثم قال له: وأنت كدت تلحق بنا، ولكن أنت الآن في طبقة ابن خزيمة، رحمه الله.